التصنيف: السياسة والرأي
|
غزة وفراغ السلطة في مصر
ولعل أسوأ ما في حالة الغباء السياسي للنظام الحالي - الذي يتوازي مع عجزه - هو عدم اغتنامه الفرصة لتغيير بعض بنود كامب ديفيد (1978) التي غلت يد الجيش المصري في ثلث سيناء، وإخراج المراقبين الدوليين منها، وهما أمران يمثلان انتهاكا واضحا للسيادة المصرية.
|
التعليق ولوحة الحوار (0) |
طباعة المقالة |
إرسل المقالة بالبريد الإلكتروني |
|
عنوان هذه الصفحة هو ما يلي. يمكنك نسخة ولصقه على رسائلك الإلكترونية أو صفحات الويب http://www.misrians.com/articles?1432
|
غزة وفراغ السلطة في مصر
لا أشك لحظة في أن قرار ضرب غزة خطأ إسرائيلي بامتياز، وأن فصائل المقاومة سوف تخرج منه منتصرة، ولكن ما يلفت النظر هو الأداء المصري في مواجهة هذا الاعتداء إعلاميا وحكوميا. تُعتبر الوسائط الإعلامية التي تُحمّل حماس مسئولية ما يحدث في غزة شريكة في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين رجالا ونساء وأطفالا، ورغم أنني لا أتفق مع حماس أيديولوجيا، إلا أن احترامي لعقلي ولمشاعري الإنسانية يجعلني أوضّح أن ما تقوم به أجهزة الإعلام المصرية (التي لم يعُد لها مصداقية- كوسيلة إعلامية- ولم تعد تتمتع بأي حرفية بسبب الضعف الشديد لكوادرها) بمحاولة تبرير تواطؤ النظام مع العدوان الإسرائيلي، مقدمة صورا تخالف الحقيقة واقعيا وتاريخيا حول الصراع العربي- الصهيوني. خاصة أن هذه الوسائط الإعلامية الركيكة ذكرت مرارا - كما فعل رئيس النظام في خطابه يوم 30 ديسمبر - أن مصر قدمت التضحيات وخاضت الحروب من أجل فلسطين، وهذا يستوقفنا.
لم تخض مصر حربا من أجل فلسطين إلا في 1948، علي ما صاحبها من أسلحة فاسدة. أما الحروب الثلاث التي تلتها فلم يكن لفلسطين أي علاقة بها. فكما نعلم كانت حرب 1956 التي سُميت بالعدوان الثلاثي (إنجلترا وفرنسا وإسرائيل) حربا استعمارية بامتياز ردا علي القرار العظيم الذي اتخذه جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس. وحرب يونيه 1967 حربا إسرائيلية علي مصر وما تبقي من أرض فلسطين وعلي سوريا. وكان الهدف الرئيسي لها هو كسر المشروع الصناعي والنهضوي الذي كان يقوم به ناصر علي أيدي بلطجي الاستعمار الحديث في المنطقة أي إسرائيل. وحرب يونيه كانت ثاني حرب في العصر الحديث يتعرض له مشروع بناء دولة قوية في مصر، كما حدث سابقا عندما ضُرب مشروع محمد علي علي يد الفرنسيين والإنجليز في عام 1840، وبعد حرب 1967، كانت حرب الاستنزاف حتي 6 أكتوبر 1973، وكل ذلك كان دافعه الأساسي استرداد التراب المصري المحتل. ومن المفارقات المحزنة وسط هذا الدجل والتضليل الإعلامي لتغطية عجز وتواطؤ النظام يلقي ثلاثة أطفال أبرياء في مدينة فايد بمحافظة الإسماعيلية مصرعهم في 31 ديسمبر بسبب لغم أرضي من مخلفات حروب إسرائيل معنا (أهرام 1 يناير). ولذا فإن ما خضناه من حروب مع إسرائيل كان من أجل أن ندافع عن أنفسنا ليس إلا.
ثم دخلت مصر في غيبوبة سياسية فقدت بسببها مكانتها الجيوبوليتيكية، وصارت خيال المآتة أو خيال الحقل في المنطقة، بعدما كانت منارة الشرق ودرته. ورغم أن هذه بديهيات فإنها صارت غائبة في وسط الصخب الإعلامي الذي يمارسه بائعو الروبابيكيا الجدد وهم إعلاميو النظام الضعفاء مهنيا. ويتوازي هذا الضعف مع عجز الحكومة المصرية عن الفعل الذي بدا واضحا منذ بداية الضرب الصهيوني علي غزة في إرهاب دولة يمارس ضد المدنيين العزل. وبدا أن ثمة فراغا في النظام المصري والعربي بمجمله مما دفع إلي الوساطة التركية كما ظهرت في زيارة رجب طيب أردوغان إلي المنطقة في الأول من يناير، ثم أن تكون تركيا هي الوسيط الذي ينقل لمجلس الأمن مطالب حركات المقاومة الفلسطينية. وهذا العجز عن الفعل توازي مع إغلاق معبر رفح ليتم إحكام السيطرة علي غزة في تواطؤ واضح مع إسرائيل. ولا يوجد مبرر واحد لهذا الإغلاق لأن المراقبين الأوروبيين هم الذين انسحبوا، كما أن الحكومة التي يرأسها إسماعيل هنية هي الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني الذي انتخبها ديمقراطيا في 2005، كما أن هذا الإغلاق مخالف للاتفاقيات الدولية، منها اتفاقية الدفاع العربي المشترك واتفاقية جنيف. فضلا عن أن هذا الإغلاق يمثل رضوخا للإرهاب الإسرائيلي ودليلا علي أن النظام المصري وصل إلي مرحلة يعتبر فيها أن الكرامة الإنسانية وروح النخوة والشهامة لا محل لها في عُرفه، ولعل هذا هو الذي دفع بأحد المصريين في لبنان بأن يقوم بحرق جواز سفره المصري أمام مقر سفارة بلاده في بيروت تعبيراً عن سخطه الشديد تجاه مواقف الحكومة المصرية المتواطئة مع إسرائيل وإصرارها علي عدم فتح معبر رفح (جريدة القدس العربي في 3 يناير).
ولعل أسوأ ما في حالة الغباء السياسي للنظام الحالي - الذي يتوازي مع عجزه - هو عدم اغتنامه الفرصة لتغيير بعض بنود كامب ديفيد (1978) التي غلت يد الجيش المصري في ثلث سيناء، وإخراج المراقبين الدوليين منها، وهما أمران يمثلان انتهاكا واضحا للسيادة المصرية. واكتفت الحكومة بأخذ الضوء الأخضر من إسرائيل بإرسال قوات مصرية أكثر مما تحدده هذه الاتفاقية لزيادة إحكام القبضة علي الفلسطينيين، وعندما سينتهي هذا الضرب، وتنتهي إسرائيل من جريمتها في غزة سوف تُطالب مصر بسحب قواتها لتكون وفق اتفاقية كامب ديفيد. ولذا فإن أهم ما في أحداث غزة، أنها عرّت أكثر وأكثر نظامنا مُظهرة بوضوح أن مصر بها فراغ سلطة وحكومة عاجزة عن الفعل .
د. صادق نعيمي
12/ 01/ 2009
|
|
نشــرها [عزت هلال] بتــاريخ: [2009/01/14]
|
إجمالي القــراءات: [88] حـتى تــاريخ [2019/02/23] التقييم: [0%] المشاركين: [0]
|
الآراء والأفكار والإبداعات المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها وهو المسئول الوحيد عنها وليس بالضرورة أن تتوافق مع موقف إدارة الموقع. من حق أعضاء الموقع التعليق عليها ونقدها ولكي ترفع من الموقع يجب أن يقل تقييم عدد من القراء لا يقل عن 250 قارئ عن 25%. |
|
|