تحرير مصر
كتلة تاريخية تنمو .. و قوى وطنية فى انتظار ائتلاف التغيير
المشهد العام فى مصر ملبد بالغيوم و الأمواج الهادرة و رمال صحراء الرفض و الإحتجاج المتحركة و نيران اشواق التغيير العارمة المتأججة فى نفوس و صدور الغالبية الكاسحة من فئات و قوى شعبنا المصرى العظيم .
لا تغيب شمس يوم من أيامنا الا و هى تحمل مع غروبها صدى لأصوات محتجة و رافضة ، تظاهرت أو أضربت أو إعتصمت أو إنتزعت حقا أو عبرت محظورا أو حطمت سدا . و من رغيف الخبز ، الى تحسين الأجور و الدخول ، وصولا الى الدعوات المتناثرة لإسقاط نظام الفساد و الاستبداد و النهب ، ومرورا بالتضامن و التفاعل مع كل قضايا الأمة من محيطها الى خليجها . و بالجملة كل ما هو يومى و له علاقة مباشرة بالحياة و المعاش و الحاجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة و فى ذات الوقت ، كل ماهو تاريخى و له علاقة مباشرة بقضايا الأمة فى صراعها مع العدو الصهيونى الأمريكى و عملائه و مشروعه فى الشرق الأوسط الكبير و مخطط تفتيت الأمة فى فلسطين و لبنان و العراق . و فى قلب تلك المشاهد يكمن مركز دوائر كل هذه التحركات فى نقطة التقاء البؤس الإجتماعى الإقتصادى مع الذل و الهوان الوطنى و القومى . و هنا بالذات نلمح مفتاح الدخول الى ادراك و فهم دوافع أشواق الغالبية الكاسحة من الناس الى التغيير ، و ندرك عمق تحركات القطاعات و القوى الإجتماعية من العمال ،و الموظفين ،و المهنيين من الأطباء و المهندسين و الصيادلة و اطباء الأسنان و أساتذة الجامعات ، و الفلاحين ، و المهمشين ، و الطلاب و غيرهم . فالبؤس الاجتماعى بخلفيته الاقتصادية و مرجعيته السياسية اصبح عنوان كل التحركات و التى تربط بوضوح بين الغياب و الاختفاء المتعمد مع سبق الاصرار و الترصد لدور الدولة و أجهزتها المتعددة عن ممارسة الحد الادنى من الدور الذى وجدت من أجله ، و القيام به على الوجه الأمثل ، و بين عصابات الحكم التى اختطفت هذا الدور ووجهته لخدمة مصالحهم و التى تترجم فى ابشع صور النهب و ممارسه كل انواع الفواحش و الكبائر الاقتصادية و السياسية و " على عينك يا تاجر " . هذا الاختفاء المتعمد مع سبق التخطيط و الترصد للدولة بأجهزتها هو خيار نظام العصابة المجرمة المتوحشة التى تسيطر على مفاصل جسد المجتمع و الدولة معا و بالتبعية الكاملة لنظام العولمة المتوحشة بقيادة أمريكا و محافظيها المتوحشين الجدد .
الأن ، نحن أمام مشهد واضح تمام الوضوح و لم يعد خافيا على قوى مصر الحية المتحركة المنتفضة المضربة المعتصمة المحتجة أنها فى مواجهة مفتوحة و معركة مصير مستمرة مع عصابة ناهبة مجرمة متوحشة تابعة عميلة . و ليس ادل على ذلك من اللجوء المستمر لكل وسائل إنتزاع الحقوق و ليس تسولها أو إستجدائها . فلا شيىء يمكن أن يحدث فى مصر إلا تحت ضغط قوى و مؤثر و فعال و على طريقة " اطلبوا الموت .. توهب لكم الحياة " .. فإما انتزاع الحقوق أو الشهادة فى سبيلها . و المعنى الجوهرى الكامن فى أنوية كل فعل إحتجاجى لأى قوى اجتماعية فى مصر أنه تعبير واضح عن قرار يقينى مستتر ، اتخذه شعبنا العظيم بتنظيم صفوفه عبر قواه و فئاته الاجتماعية لتتشكل قيادات فى كل فئة و قطاع و قوة و شريحة و مهنة . و هذا المعنى الجوهرى هو وحده الذى ينمو فى ظل موات كل المعانى الكبرى من عينة التنظيم الشعبى و ان كان ضرورة ، و الحزب الجماهيرى و ان كان مطلوبا ، و الجماعة القائدة و ان كانت واجبا ، و بالجملة ، معانى الحركة المنظمة وفق رؤية سياسية و هيكل تنظيمى و كادر اساسى و برنامج مهام و أدوات وسيطة للتواصل مع الجماهير . فقد تجاوزت مشاهد تحركات جموع الناس عبر قطاعاتها النوعية و قواها الاجتماعية ، لتعبر كل المعانى السابقة ، و بإستهداف مدرك وواعى و ان كان مستتر فى الوصول الى منصة اطلاق أولى طلعات العصيان المدنى المنظم بعد أن تتضح ملامح الجنين الذى يتشكل فى رحم المعاناة اليومية بكل ما تحمله من بؤس و ظلم و قهر و ذل وصولا الى خروج هذا الجنين لنراه وقد تشكل أمام أعيننا كتلة تاريخية من كل فئات و قطاعات و قوى مصر الغاضبة المحتجة المنتفضة المعتصمة المتظاهرة و المؤمنة بطريق إنتزاع الحقوق جملة ، من حقوق البقاء على قيد الحياة الى حقوق المشاركة فى حكم الشعب نفسه بنفسه فى وطن يتسع للجميع . و عند هذه النقطة بالذات يبرز السؤال الكبير : هل يمكن أن ينمو ائتلاف للتغيير فى مصر من كل القوى السياسية المحترمة ليلتقى فى لحظة وضوح و تشكل الكتلة التاريخية لينصهرا معا فى بوتقة مشروع وطنى جامع بأبعاده القومية و الاسلامية و العالمية ، و بقيادة وطنية موحدة و بحد ادنى من برنامج سياسى متفق عليه ، لتبدأ مصر فى العودة الى مصر دورا و شعبا و أمة و تاريخا و معنى ؟ .
عبد المجيد راشد
الخميس 27 مارس 2008
|