التصنيف: أدب وفن
|
حكاية كله
في المنزل وعلى الردهة أمام باب شقتهم كان الطفل الصغير ابن الخمسة أعوام يلعب. حين شاهده سائرا وراء زوجته ويديه إلى جانبيه قال متسائلا: - مالك يا عمو؟ قال الرجل الكهل بحزن: - انضحك علي واتسرقت.
|
التعليق ولوحة الحوار (0) |
طباعة المقالة |
إرسل المقالة بالبريد الإلكتروني |
|
عنوان هذه الصفحة هو ما يلي. يمكنك نسخة ولصقه على رسائلك الإلكترونية أو صفحات الويب http://www.misrians.com/articles?680
|
حكاية كله
أدرك أخيرا، أخيرا جدا، أنه لم يكن المتحكم في حياته، أنه وهو الذي لم يؤمن أبدا بالقدر والضعف الإنساني، لم يكن إلا خاضعا لقدر عنيد لا يلين، حتى في أدق تفاصيل حياته، أنه وهو القوي الواثق، عاش خدعة كبيرة. كان قد جاوز الخمسين عاما. حينما سأل ابن بنت الجيران: - عاوز تطلع إيه يابابا؟
أجاب الطفل ذو الخمسة أعوام بضجر: - تاني!
ضحك من الإجابة الغير متوقعة، ولكن الطفل بادره: - طيب انت عاوز تطلع إيه؟
في ذلك الصباح نفسه كان يسأل نفسه ماذا كان يريد من حياته؟ ليست صدفة، الأطفال يعرفون، الطفل يكمل ما كان يفكر فيه، أجاب بصدق: - خلاص أنا طلعت. - طلعت إيه؟
صمت يفكر. إنه نفس السؤال الذي سأله لنفسه وهو ينتظر شاي الصباح بالفراش. لكن الطفل لم ينتظر، صاح قائلا: - انت مش عارف حاجة! وانطلق يجري.
في الليل وهو في المنزل يستعد للنوم، قال لنفسه إنه لم يجب على التساؤل لأنه لا يعرف الإجابة. سألته زوجته وهي تعد الفراش للنوم إن كان سيذهب للنوم، قال: - مش عارف.
وهو في الفراش سألته بنعومة إن كان يحب أن تترك الضوء الأحمر الخافت مضاء؟ قال لها: - مش عارف.
نظرت إليه مستغربة. أدارت ظهرها له ونامت. لكنه لم ينم، كان بحاجة لأن يتخذ قرارا بالنوم. استيقظ في الصباح دون أن يدري متى نام وكيف استيقظ. فكر أن النوم، ولحسن الحظ ، يأتي دون قرار، وأنه يمكنه، إذا لم يتخذ قرارا، أن يستيقظ وقتما يشاء. كان مستغربا، يفخر دائما أمام الجميع: - عمري ما صحيت بعد الساعة ستة الصبح، حتى في الأجازات، النوم والصحيان ده قرار.
وهو الآن لا يستطيع أن يقرر.
حين سألته زوجته ان كان سيذهب اليوم للعمل، أجابها بدون تردد: - مش عارف.
فكرت الزوجة الطيبة انه زهقان، واليوم يريد أن يستريح في البيت معها ليغير من إيقاع حياته، إنه يومهما، ابتسمت وسألته: - تحب تتغدى إيه النهارده؟ - مش عارف. - حاعملك قلقاس، عارفة إنك بتحبه.
خرجت مسرعة قبل أن تسمعه يعيد ثانية: - مش عارف.
اتصل المكتب يسأل عنه، أشار لزوجته بيده. قالت إنهم يسألون عما إذا كان سيحضر لتوقيع بعض الأوراق المهمة. قال لها إجابته المعادة: - مش عارف.
نظرت إليه قليلا باستغراب وقلق، ثم قالت لموظف المكتب أنه سيتصل بهم بعد قليل. اقتربت منه متسائلة وقالت له بلطف: - فيه إيه؟
نظر إليها بعينين فارغتين، قائلا: - مش عارف. حين حضر الأبناء أخبرتهم أن أباهم مريض ولا يريد أن يدخل أحد عليه. في المساء اتصلت بصديقة لها، أعطتها صديقتها عنوان طبيب معروف. جهزت نفسها لتعرض عليه بلطف ونعومة أن يذهب للطبيب، قالت له ممهدة: - لازم الواحد يعمل لنفسه كشف عند الدكتور من وقت للتاني، حتى لو ما فيهوش حاجة.
لكنه قبل أن تستطرد قال: - مش عارف.
قالت بنفاد صبر: - طيب قوم البس!
قام فورا وارتدى ملابسه. أخذت ترقبه مندهشة للغاية، توقعت معركة ومقاومة شديدة، حين استجاب لطلبها فورا أحست بخوف حقيقي عليه، تعرف طباعه، عشرة خمسة وعشرين عاما. إنه شخص آخر.
سأله الطبيب عما به ومتى أحس بأزمته ومشاكله في العمل وهل عنده مشاكل مالية أو في البيت وأوجاعه الجسدية، ومشاكل الأولاد، لم يقل إلا جملة واحدة: - مش عارف.
التفت الطبيب إلى الزوجة وطلب منها أن تتركهما قليلا، سأله وهما بمفردهما عن علاقته الجسدية بزوجته، قال: - مش عارف. - طيب، فيه حد تاني؟ - مش عارف.
استدعى الطبيب الزوجة وسألها، قالت له: - كل حاجة كويسة.
قال الطبيب وهو يكتب الروشتة: - ما فيهوش حاجة، يومين ويرجع زي البمب.
التفت إلى الطبيب وتذكر الطفل فأبتسم قائلا: - مش عارف!
 عادت به إلى البيت ومعها بعض الأدوية التي أوصى بها الطبيب. في المنزل وعلى الردهة أمام باب شقتهم كان الطفل الصغير ابن الخمسة أعوام يلعب. حين شاهده سائرا وراء زوجته ويديه إلى جانبيه قال متسائلا: - مالك يا عمو؟
قال الرجل الكهل بحزن: - انضحك علي واتسرقت.
شوقي عقل
الدوحة في 20/ 12/ 2007
|
|
نشــرها [عزت هلال] بتــاريخ: [2007/12/27]
|
إجمالي القــراءات: [180] حـتى تــاريخ [2019/02/17] التقييم: [100%] المشاركين: [1]
|
الآراء والأفكار والإبداعات المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها وهو المسئول الوحيد عنها وليس بالضرورة أن تتوافق مع موقف إدارة الموقع. من حق أعضاء الموقع التعليق عليها ونقدها ولكي ترفع من الموقع يجب أن يقل تقييم عدد من القراء لا يقل عن 250 قارئ عن 25%. |
|
|