لعنة العقل
محمود الزهيري
حينما يصبح العقل لعنة , والجهالة نعمة , حينما يقود الجهل , ويتواري العقل , حينما تكون لغة التكفير أداة للقهر , والمخالفة في الرأي نهايتها القتل , حينئذ يكون أمر المجتمعات في إنهيار تام , والتخلف يكون هو الرائد , والسمة المميزة للمجتمع !!
أنت كافر !!
ومنافق !!
وزنديق !!
أنت مشرك!!
وأبسط الأقوال :
أنت منكر لماهو معلوم من الدين بالضرورة !!
وفي نهاية الأمر تطاردك لعنة الكفر التي هي ألعن من أي لعنة !!
ولكن من هو واضع هذه القاعدة ؟!!
قاعدة المعلوم من الدين بالضرورة !!
هذه القاعدة التي تتناقض مع قاعدة : أن الجهل بالدين عذر !!
والتي تتناقض بدورها مع القاعدة القانونية : الجهل بالقانون ليس بعذر!!
فإذا كان أمر الجهل بأمور الدين له من الأعذار المقبولة لدي نصوص الدين ذاته !!
فلماذ تكون قاعدة المعلوم من الدين بالضرورة سلاحاً مشهراً في وجه كل من خالف في الرأي , أو الفكر , أو النقد , حتي لو الإختلاف في التصور ؟!!
ولكن هناك تساؤل من التساؤلات الهامة التي تبني علي فرضية أن الدين في أوامره ونواهيه من المفترض أنه معلوم للجميع , علي أساس أن الأمور الدينية في معظمها مبنية علي البساطة في التصور , والإعتقاد , والتفكر , وأمور العبادة , والطاعة , وأنها ميسورة في غالبية أوامرها ونواهيها للناس , وأن الأديان لم تأتي لتحمل الناس فوق الطاقة البشرية / الإنسانية , وإنما جائت لتقول في أبسط الروايات النصية أن الله الخالق لم يكلف أبداً الأنفس فوق طاقتها , ولم يكلفها بتكاليف أعلي من المقدرة والطاقة !!
وأن الدين أي دين ليس بلوغاريتمات , أو ليس بطلاسم , ويحتاج إلي من لديهم القدرة علي حل تلك اللوغاريتمات , أو فك تلك الطلاسم , وإنما أمر الأديان ميسور في الفهم والإعتقاد , والتعبد لله , وتجنب المحرمات الإنسانية التي إتفقت عليها كل المبادئ الإنسانية قبل الأديان , وجاءت الأديان لتربط تلك الأعمال المباحة , والأعمال المحرمة بماتحتويه كلمة الأعمال من معاني لفظية أو فعلية , أو تقريرية , سواء في المسكوت عنه أو المفهوم , أو المنطوق !!
وهناك دليل يعتبره المتحدثين في أمور الدين أنه بديهي بسيط ويستندوا إليه كمثال توضيحي حينما يتعرضوا للتعريف بأمور الحلال والحرام , وهو أن الحيوانات تتعرف علي الحلال والحرام , جاعلين من القطة بإعتبارها حيواناً تتحرك بالغريزة , لها المعرفة بالحرام والحلال , في حالة إختطافها لقطعة لحم خلسة , ومن ثم فإنها تهرب !!
وحينما يتم إعطائها قطعة من اللحم طواعية ورضاءاً فإنها تستقر جنباً بجنب من أعطاها قطعة اللحم !!
وعلي نموذج القطة , في معرفتها للحلال والحرام , يتم قياس ذلك علي الإنسان , في قاعدة المعلوم من الدين بالضرورة , علي إعتبار أن القطة , تتحرك بالغريزة , وينتفي عنها العقل , وكذلك يريد الأوصياء علي البشر , أن يكون البشر في نظرهم كالقطط , تحركهم الغريزة , وينتفي عن دائرة ذواتهم العقل , ويصبح ويمسي العقل حكراً علي الأوصياء علي البشر , في تعريفهم للحلال والحرام , ومن ثم فلايجوز أن يكون للناس رأي , فعليهم الإتباع , لا الإبتداع , ومن يخالفهم في الرأي والتصور والفهم , ناهيك عن التفسير والتأويل , سواء المقرؤ أو المفهوم , أو المنطوق , والمسكوت عنه , وإلا فسيف قاعدة إنكار ماهو معلوم من الدين بالضرورة جاهز لبتر الرقاب , ومن قبله التكفير الذي يبيح ذلك القتل , وإراقة الدم !!
فهل من مراجعة نقدية لقاعدة ماهو معلوم من الدين بالضرورة , علي أساس من نزع الوصاية الدينية , حتي لايكون أنموذج القطة , هو الأنموذج الذي يقاس عليه البشر , حسب ماصنعه الأوصياء علي الدين من مقاس خاص بهم لقياس إيمان الناس , أوبيان مدي درجة كفرهم , أو نفاقهم , أو شركهم , أو محادتهم لله ولرسله ؟!!
وإلا فسيصبح العقل لعنة , والتحرك بغريزة القطط حسب مسطرة الأوصياء نعمة !!
محمود الزهيري