التصنيف: السياسة والرأي
|
شرع المحبة
كلمات ثقيلة؟ لن تكون أثقل من حجارة الدويقة، بكاء أم يأس أم حلم بالخلاص؟ لا يحلم أحد، لا يأبه أحد، الجالسون على المقاهي في السيدة وباب الشعرية والخليفة وزينهم على بعد أمتار من موقع الموت يرقبون الفضائيات البعيدة تنقل لهم مشهد رجال يحاولون إزاحة جبل بأظافرهم
|
التعليق ولوحة الحوار (0) |
طباعة المقالة |
إرسل المقالة بالبريد الإلكتروني |
|
عنوان هذه الصفحة هو ما يلي. يمكنك نسخة ولصقه على رسائلك الإلكترونية أو صفحات الويب http://www.misrians.com/articles?1153
|
شرع المحبة الطاعون، مسرحية لألبير كامي، فيها يسير الموت في شوارع المدينة المنكوبة بالوباء، يحصد الأرواح بمنجله، يؤدي عمله القاسي المفزع ومعه معاونيه. المدينة مليئة بالمرضى وصرعى المرض الذي لا يرحم، أنات المحتضرين وصراخهم يملأ المكان، بشر يسيرون مترنحين مرتدين الأسمال كالأشباح، وروائح تفسخ الجثث تخيم كسحابة ثقيلة فوق المدينة المحاصرة... الموت هو الحاكم. جسد كامي الطاعون في صورة رجل يسير في الطرقات، ينظر إليه البشر المعذبون بلا مبالاة، الموت رحمة لهم من عذاباتهم. عمل مسرحي مرهق تشعر وأنت تقرأه أنك في مكان مظلم خانق مغلق لا تستطيع أن تخرج منه، مليء بالعفن والروائح الكريهة، في مكان ما منه حفرة عميقة لا قرار لها، لاتراها، قد تسقط فيها في أية لحظة، كابوس تراه وتحسه وأنت مستيقظ تقرأ هذه المسرحية الكئيبة الثقيلة.
هل تمثل كامي بؤس العمال والفقراء في أوروبا قبل الحرب الكونية الثانية، هل سار في الأحياء الفقيرة فرأى البؤس والجوع والمرض وبيع الأجساد مقابل رغيف من الخبز، وعمل الأطفال في المصانع ومازالوا دون العاشرة، هل شهد موت البشر رخيصا سهلا في الحرب الأولى يهون إلى جواره كل أوبئة التاريخ. طاعون كامي نظام يحكم البشر، نظام انتهى ومات منذ زمن طويل، تسري عليه قوانين التفسخ والتحلل، جسد عملاق جاثم فوق ملايين البشر ميتا لا حراك فيه، لا ينز غير القيح والفساد، فيموت تحت وطأته الملايين، يموتون كل يوم بؤسا وقهرا وفقرا ومرضا، يموتون هربا من جحيم عفن الجسد المتحلل، يموتون في حادثة هنا أو هناك، حرقا أو دفنا أو غرقا، يطاردهم طاعون الجسد الفاسد بلا رحمة، يده المكسوة بالدم والقيح في كل مكان يسقط فيه ضحايا بالمئات، هل تمثل كامي مصر؟ هل رأها؟
كلمات ثقيلة؟ لن تكون أثقل من حجارة الدويقة، بكاء أم يأس أم حلم بالخلاص؟ لا يحلم أحد، لا يأبه أحد، الجالسون على المقاهي في السيدة وباب الشعرية والخليفة وزينهم على بعد أمتار من موقع الموت يرقبون الفضائيات البعيدة تنقل لهم مشهد رجال يحاولون إزاحة جبل بأظافرهم ليخرجوا أحباءهم الاحياء من تحته بلا جدوى، ونساء يندبن الحياة المهدرة سدى. يشربون شايهم الصباحي، يقلبون القنوات، يتسائلون عن موعد المباراة القادمة، يجادلون القهوجي الحساب، ينتظرون الموت القادم من أي مكان في أية لحظة.
تساءل أمل دنقل منذ عقود ( ناديت: يا نيل هل تجري المياه دماً.. لكي تفيض، ويصحو الأهل إن نودوا؟)
شوقي عقل
12/ 9 البديل
|
|
نشــرها [عزت هلال] بتــاريخ: [2008/09/16]
|
إجمالي القــراءات: [146] حـتى تــاريخ [2018/04/24] التقييم: [100%] المشاركين: [1]
|
الآراء والأفكار والإبداعات المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها وهو المسئول الوحيد عنها وليس بالضرورة أن تتوافق مع موقف إدارة الموقع. من حق أعضاء الموقع التعليق عليها ونقدها ولكي ترفع من الموقع يجب أن يقل تقييم عدد من القراء لا يقل عن 250 قارئ عن 25%. |
|
|